في يوم الثلاثاء 10 / 11 / 1428 ـ 20 / 11 / 2007 قبل غروب الشمس بخمس عشرة دقيقة تقريباً، فارقت روحٌ طيبة جسداً طيباً، لترقى إلى العلياء عند بارئها، لتنعم بنعيم أهل الجنة ـ فيما نحسب ـ إنها روح الأمين؛ أبو الأمين، محمود عبد الرؤوف القاسم، رحمة الله تعالى عليه.
عرفت هذا الجبل الفذ، العالم النحرير في عام 1985 تقريباَ، فرأيت فيه نفسا زكية ملؤها الحرص على دين الله تعالى.
يقول الله تعالى :{إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين}.
ويقول عليه الصلاة والسلام: “العلماء هم ورثة الأنبياء، فإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر” لقد عرفت هذا الشيخ الكبير، لعلّي من جوانب لم ينتبه إليها كثير ممن عرف ذلك أنني أنظر إلى مأخذ ما يتكلم به من العلم، فرأيت رجلاً يغرف من حيث يغرف العلماء، في حسن استنباط حكم، وسبك عبارة، الأمر الذي ينبيك عن مدى ما وصل إليه هذا الرجل من العلم. فلقد رأيته يملك من آلة العلم ما يؤهله لأن يعطيك من الجواب، ما يأخذ بناصيتك إلى الخير والنجاة، ولا يكون ذلك إلا من عالم، فعرفته لغوياً يعرف النحو وغيره، وعرفته أصولياً، نعم أصولياً، لديه من القريحة ما أعطاه قوة في نفاذ البصر والبصيرة، بحيث يعلم من مقاصد التشريع الإسلامي الكمّ الكبير، الذي جعله يفتي في قضايا النوازل الكبيرة جداً، فتراه يسبق إلى معرفته الصواب كثيراً ممن تأهل للفتيا، ولا عجب، فقد عاش حياةً مليئة بالصراع الفكري، من متاثر بالناصرية إلى سلفي، هذا مع كونه دارسا في علم الفيزياء، ويحسن غيره كالتاريخ وإعجاز القرآن الذي صنّف فيه كتباً، كما صنّف في الرّد على الصوفية شيئاً لم يسبق فيه. أقول: إن من أبرز ما برع فيه هذا الشيخ الكبير، هو فقه الواقع
[ السياسة الشرعية ] حيث سبق الناس في صدق استنتاجه إلى قرابة 30 سنة على الأقل إلى الأمام، وأنا خبير به وباستنباطه. هذا وقد عاش الرجل عفّ اليد واللسان، كريم النفس سخيّها، أو قُل: لقد كان الرجل من أكمل الرجال، كما قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : “كمل من الرجال كثير” كما أن هذا الرجل قد ارتحلته الدعوة والأمة في مجاهدة الثوريين من اشتراكيين ورافضة وغيرهم، فما حطّت عنه حتى حطّ رحاله في التراب، ـ رحمه الله تعالى رحمةً واسعة ـ، وقد دق فيه قول رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: “الناس كأبلٍ مئة لا تكاد تجد فيها راحلة” ولكن مع كل هذا، فقد عاش غريباً ومات غريباً، فطوبى له طوبى له،كما قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء”. أقول : لقد مات علماء وأئمة، فما حزنت عليهم حزني على اثنين منهم: ابن عثيمين، والأمين أبو الأمين، لقلة الورثة لهم في علمهم. فانظر كيف كان: وريثٌ من ورثة رسول الله في فنٍ قلّ من يحسنه ويتقنه كما أتقنه الرجال الذين ارتحلتهم الأمة بدعوتها، غريبٌ فطوبى له. رحمة الله عليك يا شيخي وأستاذي أبا الأمين، إلى جنة الفردوس مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، آجرنا الله بمصيبتك أيها الإمام .