موقفه من الصراع الدولي (سنة التدافع):
كان يرى رحمه الله، أن من فضل الله تعالى على العالمين تدافع وتصارع القوى الدولية الفاعلة في المجتمعات الإنسانية فيما بينها، كي لا يعم الشر والفساد في الأرض وتندثر قوى الخير التي هي بمثابة صمام الأمان لاستمرار الحياة الإنسانية، وكان ينتقد البعض ممن لا ينظر إلى هذه السنة ـ وعلى رأسها تدافع الشرق الثوري الاشتراكي والغرب الديمقراطي الصليبي ـ إلا من خلال النظارة السوداء لأنها تخالف تصوراته المقلوبة، وعلى الرغم أن خيار الصراع الأمم خيار طاريء وليس أصلياً ـ إذ الأصل في الشعوب التعارف والتعاون على الخير ـ إلا إننا مضطرون له في كثير من الأحيان، وخاصة في ظل حالة الضعف والهوان التي أصابت الأمة الإسلامية بما كسبت، بل قد يكون في هذا الصراع الخير لقوله تعالى: (لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم).
لذا فقد اقتضت حكمة الله تعالى خيار سنة التدافع الكونية للجم بعض قوى التمرد الهادفة لاستعباد الخلق بعد أن خلقهم الله تعالى أحرارا، قال تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين).
ففي ضوء ما سبق فان العالم اليوم يشهد مزيدا من الصراعات الدولية والإقليمية تقف خلفها قوى الظلام المتصهينة الهادفة لرسم خارطة جديدة للعالم لحساب أجندتها، ويتمثل هذا الصراع حسب رؤيته رحمه الله بين القوى الاشتراكية الصهيونية من جهة والقوى الغربية الصليبية من جهة أخرى، وبينهما العالم الإسلامي الضعيف والمختلف في التوجهات والمشارب الفكرية فمنهم من يؤيد المعسكر الشرقي الاشتراكي، ومنهم من يؤيد المعسكر الغربي الصليبي.
لذا فقد طالب الكثيرين من المسلمين المؤيدين لسياسة الشرق أو الذين أشربوا في قلوبهم بغض كل ما هو غربي ، طالبوا بعدم تدخل الغرب وعلى الأخص أمريكا فيما يجري في العالم وخاصة في دول العالم الثالث، ودعوها إلى الانكفاء على الذات.
وكان الشيخ أبو الأمين رحمه الله، يرى الحل لهذه الإشكالية القيام بتفعيل قواعد الفقه الإسلامي وفقه الموازنات، وتحييد الأعداء قدر الممكن وعدم فتح جبهات جديدة ضد الإسلام سواء عن قصد أم عن جهل.
لذا فهو يرى أن الخطر الاشتراكي لا زال قائما بصفته الخطر الأكبر وهاجما على الأمة الإسلامية بأساليب جديدة محدثة عميت على المسلمين في ظل الدعاية الكاذبة المدعية زورا وبهتانا موت الاشتراكية وانتهاء خطرها، ولذلك كان يرى ضرورة تشجيع الغرب واستمراره بمقاومة الخطر الاشتراكي، والتحالف معه متى اقتضى الأمر، لما سيترتب على خروج القوى الغربية من حلبة الصراع الدولي إلى نتائج كارثية على العالم كله ومنه العالم الإسلامي، وفيما يخص العالم العربي فان ذلك سيؤدي الى قيام دولة إسرائيل الكبرى على الفور، وذلك لتفرغ دول اليسار المرتبطة بإسرائيل للقيام بهذا العمل بأقل مقاومة تذكر.
وليس في كلامه هذا أي دعوة لموالاة الغرب كما قد يتخيل بعض الغثاء، فللغرب جرائمه، حيث استعمر بالأمس القريب العالم العربي، ولكن الأمر يفهم من باب دفع الشر الأكبر (الاشتراكي الثوري الصهيوني)بالشر الأصغر (الغربي الديمقراطي الصليبي)، وهذه من القواعد الأصولية الهامة الواجب تفعيلها في السياسات الدولية.
فقد قال في ذلك:
أنا في سردي لهذه الحقائق، لا أسردها دفاعاً عن أميركا أو تنزيهاً لها، لكني مسلم،والإسلام يأمرنا أن نعطي كل ذي حق حقه، وأن نقول الحق ولو كان مراً، وألا نتبع الهوى في إصدار أحكامنا، وأن ندافع عن إسلامنا وبلادنا وأعراضنا وأنفسنا ضد من يفتننا في ديننا ويمزق أجسامنا بالسياط وينهب ديارنا وأموالنا ويشردنا ويبيدنا، وأن يكون دفاعنا بالأسلوب الصحيح الذي يقود إلى النصر، لا بالأسلوب الغلط الغوغائي الذي يدفعنا الماركسيون إليه بدعاياتهم المنهّجة، فنحن من عقود كثيرة ونحن بقيادة علمائنا ووعاظنا نتبع نفس الأسلوب الذي ما قادنا، ولا يقودنا إلا إلى انتكاس بعد انتكاس، رغم أننا نقرأ قوله سبحانه:
{إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11].
وقوله: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:7].
ونعرف أن نصرنا لله سبحانه هو باتباع سننه في شرعه وسننه في خلقه، هو بالسير في الطريق الصحيح في الأمور الدينية والدنيوية.
إن انتكاساتنا المتتابعة يجب أن تكون دليلاً لنا، إن كنا نؤمن بأن القرآن من عند الله سبحانه على أن ما بأنفسنا غلط يجب أن يغيَّر، وأننا لا ننصر الله سبحانه بأفكارنا وأساليبنا التي نتبعها، وأننا لا نسير في الطريق الصحيح” أ هـ (قتلوا من المسلمين مئات الملايين) وهذا الموقف منه رحمه الله كان يستدل عليه بقوله تعالى:
(ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين)
وبقوله تعالى:
(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (المائدة:82).