وتمضي الوثيقة في غيها فاضحة بذلك مكنون ما يضمره الشيوعيون للأديان بوجه عام وللإسلام بوجه خاص، وهو مايثبت زيف دعوات الائتلاف التي يطلقونها، وتمضي الوثيقة قائلة:
ومن هذا المخطط أن يُتخذ الإسلام نفسه أداة لهدم الإسلام نفسه[1]، وقد قررنا لتحقيق هذا الغرض ما يلي:
1- مهادنة الإسلام لتتم الغلبة عليه، والمهادنة لأجلٍ حتى نضمن أيضا السيطرة، ونجتذب الشعوب العربية للاشتراكية.
2- تشويه سمعة رجال الدين والحكام المتدينين، واتهامهم بالعمالة للاستعمار والصهيونية[2].
3- تعميم دراسة الاشتراكية في جميع المعاهد والكليات والمدارس في جميع المراحل، ومزاحمة الإسلام ومحاصرته حتى لا يصبح قوة تهدد الاشتراكية[3].
4- الحيلولة دون قيام حركات دينية في البلاد مهما كان شأنها ضعيفا، والعمل الدائم بيقظة لمحو أي انبعاثٍ ديني، والضرب بعنف لا رحمة فيه لكل من يدعو إلى الدين ولو أدى إلى الموت[4].
5- ومع هذا، لا يغيب عنا أن للدين دوره الخطير في بناء المجتمعات، ولذا، وجب أن نحاصره من كل الجهات، وفي كل مكان، وإلصاق التهم به، وتنفير الناس منه، بالأسلوب الذي لا ينمّ عن معاداة الإسلام. (بأسلوب ذكي).
6- تشجيع الكتاب الملحدين وإعطائهم الحرية كلها في مهاجمة الدين والشعور الديني والضمير الديني والعبقرية الدينية، والتركيز في الأذهان أن الإسلام انتهى عصره، وهذا هو الواقع، ولم يبق منه اليوم إلا العبادات الشكلية التي هي الصوم والصلاة والحج وعقود الزواج والطلاق، وستخضع هذه العقود للنظم الاشتراكية، أما الصوم والصلاة فلا أثر لهما في الحياة الواقعية ولا خطر منها، أما الحج فمقيد بظروف الدولة، ويمكن استخدام الحج في نشر الدعوة للاشتراكية بين الحجاج القادمين من جميع الأقطار الإسلامية، والحصول على معلومات دقيقة عن تحركات الإسلام، لنستعد للقضاء عليها[5].
7- قطع الروابط الدينية بين الشعوب قطعا تاما، وإحلال الرابطة الاشتراكية محل الرابطة الإسلامية، التي هي أكبر خطر على اشتراكيتنا العلمية.
8- إن فصم روابط الدين، ومحو الدين لا يتمان بهدم المساجد والكنائس، لأن الدين يكمن في الضمير، والمعابد مظهرٌ من مظاهر الدين الخارجية، والمطلوب هو هدم الضمير الديني، ولم يصبح صعبا هدم الضمير الديني، ولم يصبح صعبا هدم الدين في ضمير المؤمنين به، بعد أن نجحنا في جعل السيطرة والحكم والسيادة للاشتراكية.
ونجحنا في تعميم ما يهدم الدين من القصص والمسرحيات والمحاضرات والصحف، والأخبار والمؤلفات التي تروج للإلحاد وتدعو إليه، وتهزأ بالدين ورجاله، وتدعو للعلم وحده وجعله الإله المسيطر.
9- مزاحمة الوعي الديني بالوعي العلمي، وطرد الوعي الديني بالوعي العلمي.
10- خداع الجماهير بأن نزعم لهم بأن المسيح اشتراكي، وإمام الاشتراكية، وهو فقير ومن أسرة فقيرة، وأتباعه فقراء كادحين، ودعا إلى محاربة الأغنياء، وهذا يمكننا من استخدام المسيح نفسه لتثبيت الاشتراكية لدى المسيحيين.
ونقول عن محمد أنه إمام الاشتراكيين، فهو فقير وتبعه فقراء، وحارب الأغنياء المحتكرين والإقطاعيين والمرابين والرأسماليين، وثار عليهم.[6]
وعلى هذا النحو يجب أن نصوّر الأنبياء والرسل، ونبعد القداسات الروحية والوحي والمعجزات عنهم، بقدر الإمكان، لنجعلهم بشراً عاديين، حتى يسهل علينا القضاء على الهالة التي أوجدوها لأنفسهم، وأوجدها لهم أتباعهم المهووسون.
11- في القرآن والتوراة والأناجيل، قَصص، ولئلأ نصطدم بشعور الجماهير الديني، ونثيرهم على الاشتراكية، يجب أن نفسر تلك القصص الدينية تفسيرا ماديا تاريخيا، وما فيها من جزئيات يمكن أن نفيد منها في تعبئة الشعور العام ضد الرأسماليين والإقطاعيين والنساء الشريفات والحكام الرجعيين.
12- إخضاع جميع القوى الدينية للنظام الاشتراكي، وتجريد هذه القوى تدريجيا من وجدانها، الخ..
13- إشغال الجماهير بالشعارات الاشتراكية، وعدم ترك الفرصة لهم للتفكير، وإشغالهم بالأناشيد الحماسية، والأغاني الوطنية والشؤون العسكرية، والتنظيمات الحزبية، والمحاضرات المذهبية، والوعود المستمرة برفع الإنتاج ومستوى المعيشة، وإلقاء مسؤولية التأخر والانهيار الاقتصادي والجوع والفقر والمرض على الرجعية[7] والاستعمار والصهيونية والإقطاع ورجال الدين.
14- تحطيم القيم الدينية والروحية، بإظهار ما فيها من خللٍ وعيوب وتخديرٍ للقوى الناهضة.
15- الهتاف الدائم ليل نهار، وصباح مساء بالثورة، وأن الثورة هي المنقذ الأول والأخير للشعوب من حكامها الرجعيين، والهتاف بالاشتراكية بأنها هي الجنة الموعود بها جماهير الشعوب الكادحة. (طبعا هذا قبل البروسترويكا).[8]
16- نشر الأفكار الإلحادية، بل نشر كل فكرة تضعف الشعور الديني والعقيدة الدينية وزعزعة الثقة في رجال الدين في كل قطر إسلامي. (لاحظوا كيف يركزون على رجال الدين ومسخ صورهم أمام الناس، ونحجوا إلى حد كبير في هذا الأمر الآن)[9].
17- لا بأس من استخدام الدين لهدم الدين، ولا بأس من أداء الزعماء الاشتراكيين، بعض الفرائض الدينية الجماعية، للتضليل والخداع، على أن لا يطول زمن ذلك. لأن القوى الثورية يجب أن لا تظهر غير تبطن إلا بقدر، ويجب أن تختصر الوقت والطريق لتضرب ضربتها، فالثورة قبل كل شيء هدم للقيم، وللمواريث الدينية جميعا.
18- الإعلان بأن الاشتراكيين يؤمنون بالدين الصحيح، لا بالدين الزائف الذي يعتنقه الناس لجهلهم، والدين الصحيح هو الاشتراكية، والدين الزائف هو الأفيون الذي يخدر الشعوب لتنساق وتُسخر لخدمة طبقة معينة، وإلصاق كل عيوب الدراويش وخطايا رجال الدين بالدين نفسه، وترويج الإلحاد وإثبات أن الدين خرافة، والخرافة تكمن في الدين الزائف لا الدين الصحيح الذي هو الاشتراكية.
تعليق من الشيخ محمود القاسم: لاحظوا أن الاشتراكية دين، هؤلاء الذين يسمون الاشتراكية علمانية، إما خبثاء أو جهلاء، يجهلون ما هي الاشتراكية، الاشتراكية هي دين، أولا هم يعتبرونها دين، ثم ما هو تعريف الدين؟ الدين هو تفسير للمبدأ وتفسير للمنتهى ورسم السلوك بينهما، هذا هو تعريف الأديان جميعها، أي أنها كلها مبنية على هذه الثلاث عناصر، الشيوعية نفس الشيء، المبدأ لديها تصور عنه، وتصور للمنتهى، وترسم السلوك بينهما، فهو دين، ويعتبره أهله دينا، وله طقوسه كاملة.
فعندنا يأتي أناس يسمونها علمانية، عن جهل منهم بعضهم، وبعضهم عن خبث، الذين عن خبث، هذا يسمونه “فن الدمج” في علم الدعاية، ما هو فن الدمج؟ نأتي مثلا نريد ننتقد الاشتراكية، نريد مهاجمتها، فيأتون هم فيعممونها فيقولون العلمانية، العلمانية اسم يشمل الشيوعية والديمقراطية واللادينية، مع العلم أن العلمانية في الغرب تفصل الدين عن الدولة فقط، ولا تفصل الدين عن المجتمع أو عن الحياة كما يقول حزب التحرير، الذي يفصل الدين عن الحياة هو الماركسية، بينما في الغرب الديمقراطية تفصل الدين عن الدولة، ولا تفصل الدين عن الحياة، ويكذب حزب التحرير بذلك، فهم يعمّمون يقولون علمانية، عندما نقول علمانية، جُمعت الشيوعية مع الدولة الديمقراطية، ثم تأتي الدعاية المكمّلة ضد الصليبية الديمقراطية.. فننسى الشيوعية، وهذا ما يسمى بقاعدة “كفتي الميزان”. فلذلك قضية القواعد التي أتقنوها كثيرة، فعندما يستعملونها يطبقون قواعد لتأخذ حيزها، فنجحوا نجاحا كبيرا.
19- تسمية الإسلام الذي تؤيده الاشتراكية لبلوغ مآربها وتحقيق غاياتها بالدين الصحيح، والدين الثوري والدين المتطور، ودين المستقبل، حتى يتم تجريد الإسلام الذي جاء محمدٌ من خصائصه ومعالمه، والاحتفاظ منه بالاسم فقط، لأن العرب إلا القليل مسلمون بطبيعتهم، فليكونوا الآن مسلمين اسما، اشتراكيين فعلا، حتى يذوب الإسلام لفظا كما ذاب معنىً[10].
20- أخذنا بتعاليم لينين ووصيته بأن يكون الحزب الاشتراكي خصما عنيدا للدين، ويحارب فكرته في المنتظر ما بعد الموت، في الفردوس الذي تحققه الاشتراكية العلمية التي تحقق العدالة الاجتماعية التي هي الفردوس، وإذا وُجد من الضروري مهادنة الدين وتأييده، وجب أن تكون المهادنة لأجل، والتأييد بحذر، على أن يُستخدم التأييد والمهادنة لمحو الدين.
21- الاهتمام بالإسلام مقصود منه أولا، استخدام الإسلام في تحطيم الإسلام، ثانيا استخدام الإسلام للدخول في شعوب العالم الإسلامي، ومع أن القوى الرجعية في العالم العربي والإسلامي قوى يقظة، إلا أن الخطة التي اتخذناها ستضعف هذه القوى حتى تجردها من عناصر احتفاظها بمقوماتها، فتذوب على مرّ الأيام.
22- وباسم تصحيح المفاهيم الإسلامية وتنقيتها من الشوائب، وتحت ستار الإسلام يتم القضاء عليه بأن نستبدل به الاشتراكية، وتفصح الوثيقة عن أسرار رهيبة فتقول، وفي المحيط العربي كله، يعمل أنصارنا بجد، وقد استطاعوا أن يثبوا إلى المناصب الرئيسية في الوزارات والإدارات الحكومية، والشركات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، ووفقوا حسب تعليماتنا للسيطرة التي وإن كانت فردية، إلا أن توفيقهم للوصول إلى تلك المناصب، يُعد من الأعمال الناجحة، كما أن لقاء الأفراد بعضهم مع بعضٍ، يجعل اللقاءات في صورة اللقاء الجماعي.
ولئن كان من المتعذر جدا توقيت التحرك الثوري، إلا أن التمهيد له ينتهي في وقت غير بعيد، ويزداد على مرّ الأيام عدد أنصارنا الذين يتولون المناصب ذات الأثر الفعال في خلق الجو الصالح للتحرك الثوري، وحسب تعلمياتنا لهم جعلوا من الوزراء والمسؤولين الذين لا يُشك في إخلاصهم للنظام الرجعي الحاكم المعادي للاشتراكية، واجهة يقفون وراءها، ويعملون تحت ستارها ما يريدون في أمن وطمأنينة، مع اليقظة والحذر، دون أن تحوم حولهم الشكوك، لأنهم يتستّرون بأولئك المسؤولين[11].
وأنصارنا منبثّون في كل الوزارات، والإدارات والقطاعات الحكومية والعسكرية والشعبية والرسمية والأهلية، واتسعت دائرة نفوذهم التي تزداد اتساعاُ، ويزداد تغلغهم على مرّ الأيام.
كانت تلك كلمات الوثيقة التي تفضح آراء الشيوعيين، ونواياهم تجاه الدين، وهي حقيقة ما كانت تحتاج منّا للتدليل عليها، فما من دارس للشيوعية متابع لأصولها ولسيرتها في مجال التطبيق والنشاط العلمي، إلا ويدرك إدراكاً كاملا، تلك الحقيقة بكل أبعادها، لكن ركون الشيوعيين للأقنعة، وأخذهم في السنوات الأخيرة في إعلان غير ما يضمرون، واسترسالهم في الكذب والبهتان، مع الإعادة والإزادة المعهودة في فنون الدعاية الشيوعية.
كل هذا أوجد جيلا جديدا أمكن خداع بعض اليافعين فيه، وغير ذوي الدراية والتعمق في معرفة حقيقة الشيوعية، فتسربت لعقول هؤلاء قناعة لا أساس لها من الصحة بأن من الممكن التعايش بين الدين، وخاص الإسلام وبين الاشتراكية، وهي قناعة تبرهن على نجاح المخطط الشيوعي الراهن في خداع وتضليل البعض، ليُساق في النهاية إلى حتفه، وأي حتفٍ أسوأ وأحط وأشد هوانا وعبودية وذلا وفقرا ونكدا من حتف الشيوعية. انتهى كلام المؤلف طارق حجي.
[1] لننتبه جيدا لهذه النقطة. محمود القاسم.
[2] لننتبه لهذه النقاط، فهي تُطبق حرفيا، ويبثها بعض المسلمون. محمود القاسم.
[3] هذه تطبق في سوريا والعراق وليبيا والدول الاشتراكية. محمود القاسم.
[4] صاروا الآن يضرونهم عن طريق جعل المسلمين يستفزون الغرب كي يضربهم. محمود القاسم.
[5] هذا الكلام مخطط قديم، والمخططات بحسب التجارب خاضعة للتطوير، تتطوّر وتُعدل بحسب التجارب. محمود القاسم.
[6] للألم، هناك الآن مسلمون يقولون هذا الكلام، مسلمون سلفيون وإخوان مسلمون، يقولون محمد جاء لمحاربة الطغاة والطغيان والرأسماليين. محمود القاسم.
[7] يقصدون بالرجعية هي الدين. محمود القاسم.
[8] الرجعيين هم فقط الأنظمة التي تحارب الشيوعية، وكل جماعة التكفير والهجرة والجهاد، كلهم ضد الأنظمة التي تحارب الماركسية، السعودية خاصة، والأردن، النظام الأردني ليس نظاما إسلاميا، لكنه لا يعادي الإسلام، ولا يحارب الإسلام، بدليل أننا هنا مجتمعون نتناقش ونحاور، إما إذا أردنا قتل الحاكم وصار الحاكم يدافع عن نفسه، فهل يصبح عدو للإسلام؟! إذا كان الفأر بدافع عن نفسه. محمود القاسم.
[9] لاحظ بالأردن، لا زال لديهم أمل باستغلال رجال الدين، باستغلال المتدينين، من أجل أن يضعوهم في الواجهة، فالهجوم عليهم قليل، محمد أبو شقرا زعموا أن ابنته تذهب إلى المسبح، وهو ليس عنده بنات! أما لو كنتم بسوريا كنتم رأيتم حرب الدعاية والإشاعات من أبشع ما يكون ضد الذين يعملون للإسلام.
[10] هذا وضع الإسلام في العراق وسوريا. محمود القاسم.
[11] مثل ليث شبيلات، الذين حوله كله ماركسيون، شيوعيون وبعثيون، دعيت أنا عندما تم إنشاء التنظيم، ذهبت، حضرت ثلاثة اجتماعات، كل الذين حوله على الإطلاق إلا هو، كلهم ماركسيون بعثيون وشيوعيون. محمود القاسم.