انقسم اليهود إلى قسمين، قسم صهيونيون ولو سموا أنفسهم شيوعيين، ولكنهم يؤمنون بالصهيونية، أو تسمية من عندي “تلموديون”، توراتيون، يريدون تطبيق التوراة، أنه في الأول تُقام دولة إسرائيل ويعود اليهود إلى فلسطين، يبنون الهيكل، ويظهر مسيحهم المنتظر ويحكم الدنيا، ويطبقون العقيدة اليهودية.
بينما الشيوعيون العلمانيون، هناك الشيوعيون التوراتيون هم صهاينة في الواقع، صهاينة ولكن يرون أن الشيوعية تساعد، أما الشيوعيون العلمانيون، يرون أن إقامة فلسطين بالأول خطر على اليهودية، قد ينجح اليهود في البداية بإقامة إسرائيل، ولكن مع الزمن سيكون أكبر خطر على إسرائيل وستزول إسرائيل واليهودية، لأن الناس سينتبهون لها، هؤلاء يقولون يجب أن ننتظر حتى تسود الشيوعية العالم، عندئذ لا نحتاج إلا إلى وسائل النقل لتقوم إسرائيل الكبرى، لننقل الشعوب اليهودية إلى أرض الميعاد، ونحكم الدنيا.
والصراع بين الفئتين صراع دموي وليس صراعا عاديا كلاميا، صراع دموي أبيد فيه عشرات الألوف، بل قد يصل لمئات الألوف، خاصة الشيوعيين الصهاينة أبادوا من الشيوعيين العلمانيين، أو الآن يسمون “التروتسكيون”، نسبة إلى تروتسكي، وهو زميل لينين، وتمويل الشيوعية أكثره جاء عن طريق تروتسكي، ولكن الذي جعل القيادة للينين أنه كان خطيبا ماهرا.
فالتروتسكيون حتى الآن يرون أن قيام إسرائيل في فلسطين يشكل خطرا، يجب أن تسود الشيوعية العالم أولا، وبعدها تكون إسرائيل إلى الأبد، الصهاينة والشيوعيون الصهاينة التوراتيون، يقولون لا، يجب أن تقوم إسرائيل حسب التوراة، التوراة تقول في البداية يعود اليهود إلى فلسطين، ويبنون الهيكل، ثم يظهر مسيحهم المنتظر ويحكم العالم، فالصراع بينمها، ستالين قتل من التروتسكيين أكثر من عشرة آلاف يهودي منهم، وخرجت الدعاية أن ستالين خلّص الشيوعية من اليهود، وهو كذب، فلم يخصلها من اليهود، وإنما قضى على فئة من اليهود لصالح فئة ثانية من اليهود.
ولما قامت إسرائيل، قبل التروتسكيون، أنه نحافظ الآن على إسرائيل، ولكن يجب أن لا نطمع بالتوسع، أن تقوم إسرائيل الكبرى حتى تسود الشيوعية العالم، الآن يقولون يجب أن نحافظ على إسرائيل فقد قامت، ولكن خروج أو احتلال الأردن أو السعودية الآن لا يجوز أبدا، حتى تسود الشيوعية العالم، ولو حدث مثلا واحتلت إسرائيل الأردن، يقبلون ذلك لا يقولون لا، ما دام احتلها فليكن، ولكن من أجل البلاد الأخرى، فحتى تسود الشيوعية، فهذا هو الصراع بين الطرفين، لنقل بين حزب العمل والليكود.
قراءة عدنان الصوص حول موضوع الصهيونية:
حول الموضوع الذي تفضل به الأستاذ أبو الأمين، هنا كتاب للمؤلف أنور كامل، الصهيونية وثيقة تاريخية، يقول أول كتاب يُنشر بالعربية عن الصهيونية في مصر والعالم العربي سنة 1944، من وجهة نظر اليسار، طبعا في المقدمة للمؤلف بشير السباعي في مقدمة الكتاب، ذكر هذه المسائل بشيء من التفصيل، وهنا كلام طويل حقيقة لا نستطيع أن نقرأه كله، فيُرجع إليه في هذا الكتاب فإنه مهم، لكن سأقرأ بعض النصوص في هذا الاتجاه، يقول صفحة (5):
“وقد أجمع الكتاب المطلعون الماركسيون والصهيونيون على سواء، الكاتب الماركسي الأمريكي “بيتر بوتشي”، (أن تروتسكي لم يحد قط عن الاعتقاد بأن النضال من أجل تحرير اليهود، يرتبط ارتباطا لا ينفصل بمصير النضال من أجل الاشتراكية، وفي عام 1978، كتب المؤرخ الصهيوني الإسرائيلي باروخ كونا، الأستاذ بالجامعة العبرية بالقدس، أن تروتسكي قد واصل حث اليهود، وخاصة العمال اليهود بالطبع، على ربط مستقبلهم بمستقبل الحركة الاشتراكية الثورية، وقد حذرهم من الانفصال عن العناصر التقدمية في مختلف أرجاء العالم.
وظل مقتنعا أن اليهود لا يمكنهم بمفردهم إنقاذ أنفسهم، أكان ذلك من خلال إطار المنظمات المستقلة في البلدان التي يحيون فيها، أم عن طريق دولة قومية، وهنا كذلك، وهذا الاستنتاج الأساسي هو الرسالة التي ينتهي كراس حقيقة الصهيونية إلى توجيهها إلى اليهود، فالخلاص اليهودي يرتبط بالثورة الاشتراكية العالمية، ويستحيل أن يتحقق من خلال اضطهاد شعب آخر واغتصاب بلاده، أن شعبا يضطهد شعبا آخر، لا يمكن أن يكون هو نفسه حرا.
والحال أن ما اعتبرته الصهيونية حلا للمسألة اليهودية قد اعتبره تروتسكي في يوليو 1940 مصيدة دموية، يقصد التجمع في فلسطين، وكان التجمع التروتسكي الفلسطيني قد تشكل في أواخر الثلاثينات أثر احتدام أزمة الحزب الشيوعي الفلسطيني، التجمع في عام 1939 إلى إعلان تضامنه التام مع الحركة القومية التحررية العربية الموجهة ضد الانتداب البريطاني وضد المشروع الصهيوني في آنٍ واحد، كما أعلن دعمه غير المشروط لمطالب العرب الفلسطينيين المباشر، وعلى رأسها وقف الهجرة اليهودية، ووقف شراء اليهود للأراضي وتدشين حكم عربي فلسطيني للبلاد”. لاحظ.
قراءة للشيخ عدنان من كتاب موسكو وإسرائيل:
يعني هناك نصوص كثيرة في هذا الكتاب، يُرجع إليها، فهذا ما أردت أن أتكلم فيه بالنسبة لهذا الكتاب.
هنا كتاب الدكتور عمر حليق، موسكو وإسرائيل، دراسة مدعمة بالوثائق لجهود موسكو في خلق إسرائيل وإبقائها، طبع الدار السعودية للنشر.
محمود القاسم: هذا الكتاب يجب أن يقرأه كل مسلم، وقد أورد فيه وثائق الأمم المتحدة وليس أي كلام، وهي قد تُرجمت لكل لغات العالم ما عدا اللغة العربية، ترجم منها الدكتور عمر حليق حوالي (80) وثيقة، يتحدث فيه من الذي أقام إسرائيل، وكيف أقيمت؟ التي أقامتها هي روسيا، وليس أميركا، يعني الشيوعية الصهيونية، الدكتور عمر حليق كان حاضرا، كان طالبا بأميركا، وكان يحضر جلسات الأمم المتحدة سنة 1947 و1948.
هنا سأقرأ، هنا يقول تحت عنوان صفحة (18)، ماركس والمشكلة اليهودية، سنقرأ بعض الفقرات، صفحة (19) يقول:
“وكارل ماركس نفسه لم يشذ عن هذه القاعدة المألوفة عند كبار المثقفين والفلاسفة اليهود، فلقد ألقى ماركس اللوم في مسألة اضطهاد اليهود على الظروف الاقتصادية التي تكتنف الجماعات التي يعيش بينها اليهود، لا على العناد اليهودي نفسه الذي يريد أن يفرض منزلته كشعب الله المختار على الجماعات الأخرى، مما يدفع هذه الجماعات إلى استنكار ذلك أو الانتقام من اليهود، ولقد عالج كارل ماركس المشكلة اليهودية معالجة متكررة في كثير من كتاباته، فماركس نفسه من بيت يهودي محافظ، يعني متدين، فقد كان جده حاخاما معروفا، وكذلك والده.
وقد اضطر والده إلى اعتناق البروتستانتية في منتصف العمر، لكي يستطيع أن يمارس مهنته في وسطٍ ألماني كان يكره اليهود… وتدخل ماركس إلى أن المشكلة اليهودية لا تنحل نهائيا بالتحويل الاشتراكي للعالم بأسره، وإذابة الأديان والقوميات كلها في بوتقة الماركسية، وطالما أن الماركسية فكر وحركة وهدف يتوخى إخضاع المجتمع إلى قيادة طليعية ماركسية في يدها كل مقدرات الأمة، لذلك وجد اليهود أن هذه الفكرة والهدف لا يتعارضان مطلقا مع اعتقادهم بأنهم أي اليهود، وهم شعب الله المختار، أصلح الناس ليكونوا الطليعة القيادية لكل الحركات الماركسية في العالم.
والماركسية أو الاشتراكية العلمية أو الاشتراكية الثورية أو الشيوعية، سمها ما شئت، هي حصيلة اجتهاد نفر من المثقفين، وجدوا في تعاليم كارل ماركس إطارا عقائديا دقيقا في تحليلاته لمواطن الضعف والقوة في السلوك البشري، في طبائع النفس والصلات”. إلى آخر الحديث حقيقة عن هذا الموضوع.
قراءة في كتاب الرحلة الخيالية مع تيودور هرتزل إلى إسرائيل:
كتاب آخر يتحدث عن نفس الموضوع، وهو حل المسألة اليهودية، وذلك عن طريق الشيوعية، هذا الكتاب يتحدث فيه رجل مختص من اليهود في الشيوعية والصهيونية، وهو شمعون بيريز، الكتاب اسمه “الرحلة الخيالية مع تيودور هرتزل إلى إسرائيل”، تعريب يوسف ضمومت، طبعته الأولى عام 2001، يتحدث بيريز بكل صراحة في هذا الكتاب، وهذا أمر غريب للغاية حقيقة، أن يكشف بيريز في هذه المرحلة عن أدق أسرار العلاقة ما بين الشيوعية واليهودية، ولماذا بيريز يكشف هذا الأمر في هذه الأيام، قد يكون لهذا السؤال جواب لاحق في مواطن أخرى من بحثنا في هذا الموضوع، لكن سنقرأ في صفحات هذا الكتاب عن الربط الوثيق الذي طرحه بيزير بين الشيوعية واليهودية، وحل المسألة اليهودية، يقول بيريز صفحة 142:
“حين سيستمع صديقي الروسي لهذا العرض الشيق لضيفي الفرنسي، قد يقترح إنهاء السهرة في أحد مقاهي تل أبيب، بغية ملاقاة من يدري بعض أتباع ماركس من اليهود للتناقش معه، وستكون مناسبة لنا للعودة إلى القرن الماضي، ومجادلة جميع أولئك الذين ظنوا بأن قيام الثورة الشيوعية سيكفي لحل المعضلة اليهودية، وبأنها الوصفة السحرية التي قد تلقي غياهب النسيان معاداة السامية واليهودية، التين يُفترض بأنهما مصدر جميع المصائب التي كان اليهود يقاسون منها، لقد كانوا أكثر عددا مما نظن”، إلى آخر هذه الفقرة.
ثم هنا يؤكد مرة أخرى في صفحات لاحقة هذا الموضوع في حديث طويل، “إن الأخطاء المتوقعة لليهود الذين تجتذبهم إلى فلسطين تطلعات مشيحانية (نسبة للمسح المنتظر)، لا تمثل التأثيرات المؤذية الوحيدة للصهيونية، ولعل الأخطر منها أن الصهيونية تبدّد ثروات اليهود ومواردهم في الاتجاه السيء في الوقت الذي يتقرر مصيرهم الحقيقي على صعيد مختلف تماما، ويتطلب هذا القرار أن يوحدوا جميع قواهم”. ويقول هنا في صفحة 144:
“خلافا لأتباع حزب البوند، كان تلامذة لينين لا يؤمنون بشرعية قيام قومية يهودية، حتى ولو التفّت بثنايا العلم الأحمر، إذ كان على العمال أن ينصهروا في البروليتاريا كطليعة الطبقة العمالية، إنما كأفراد وليس كقومية مستقلة لدى حلول الثورة الاشتراكية، كان عليهم التخلص من كل تعبير عن القومية اليهودية أو النزعة الانفصالية، مع احتمال التغاضي عن الاقتضاء عن آلام شعبهم”، إلى آخر الفقرة.
محمود القاسم: وجهة نظر اليهود الشيوعيون أنه يجب على اليهود نسيان القومية، والاكتفاء بالشيوعية، ويذكرها كارل ماركس بكتابه عن المسألة اليهودية، يقول ملخص كلامه، أنه لا يزالون بالسفتجة وما شابه يريدون حل المسألة اليهودية، وهذا كل غير صحيح، الحل عن طريق الشيوعية، استلموا الحكم وادعو المجتمعات للشيوعية، وشاهدوا كيف تنحل المسألة اليهودية.